فريدة في بنائها، متفردة باسمها المستمد من الشمس، قلعة كالدرع لا يمكن اختراقها إلا بفعل الطبيعة، إنها "قلعة شميميس".
موقع eSyria ولإلقاء الضوء على هذه الآبدة التاريخية، التقى الأستاذ
"أمين قداحة" الباحث والكاتب في الآثار، والذي تحدث عنها بالقول: «هي حلقة
من سلسلة المعاقل الحصينة التي تعود إلى عصر البرونز الحديث، وهنا يقول
المستشرق "بيلينسكي": إن فريقاً من علماء الآثار من "جامعة ليون" وجدوا في
"قلعة شميميس" كسوراً فخارية متنوعة تتراوح أعمارها بين العصر البرونزي
الحديث والقرن الثالث عشر الميلادي، وهذا دليل على أن هذا الموقع كان
مأهولاً قبل بنائها كقلعة بمئات السنين، أما بُناتها الأوائل فهم أمراء
"حمص"، من أسرة "شميشغرام" العربية في أواخر "العهد الهيلينستي" وبداية
العصر الروماني، و"شميشغرام" هو ثاني ملوك هذه الأسرة».
ويضيف: «أول ملوك هذه الأسرة الكهنوتية اسمه "دابل"، ويعرف أن عدداً من
الأباطرة الرومان من السلالة "السيفرية"، نسبة إلى "سبتموس سفيروس" القرن
الثالث الميلادي، قد انحدروا من هذه الأسرة، وربما يعود أصل اسم القلعة إلى
الملك "شميشغرام"، أو نسبة لإله الشمس إله مدينة "حمص" في ذلك الوقت».
وعن فترة ازدهار "شميميس"، قال: «كانت عامرة طوال العصر الروماني /64 ق .م-
395 م/ والبيزنطي /395 م- 636 م/ حيث كانت من ضمن المعسكرات المحصنة في
وسط سورية إلى جانب قصر "ابن وردان"، و"اصطبل عنتر" وباقي قلاع جبل الأعلى
"العلا"، وكانت قد تعرضت للتخريب قبيل الفتح الإسلامي على يد الملك الفارسي
"كسرى أبرويز" سنة /611 م/».
بقيت على حالها حتى أعيد دورها في عهد "الدولة المرداسية" حين ملكها لفترة
من الزمن "آل منقذ" في عهد "صالح بن مرداس" حتى وفاته عام/ 1098 م/،
ويتابع: «كذلك تعرضت لزلزال عنيف، كان أعظمه الذي ضرب منطقة بلاد الشام
سنة/ 552هـ - 1157م/، ثم شرع في إعادة بنائها الملك المجاهد "شيركوه" صاحب
"حمص" سنة/ 627هـ - 1230م/، هذا الشيء لم يرق للملك "المظفر" فحاول العمل
على هدمها، لكنه أحجم عن ذلك لدعم الملك "العادل" للملك "المجاهد شيركوه"
وقد أطلق
عليها اسم "ماردين الشام" تيمناً بقلعة "ماردين" في "الأناضول" وذلك لمنعتها وعلوّها وقوة تحصينها».
ملوك ونزاعات دارت للسيطرة على هذه القلعة التي اعتبرها أهل "حلب" في ذلك
الزمن بأنها صمام الأمان، من الملوك الذين مروا من هنا، رحلوا، ماتوا،
وبقيت هذه القلعة تصارع لأجل بقائها، ويتابع: «يمكن ذكر أسماء الملوك وهم:
"شميشغرام"- الملك الفارسي "كسرى أبرويز"- "الملك المجاهد شيركوه- صاحب
حمص"- "الملك المظفر- صاحب حماة"- "الملك الأشرف- صاحب حمص"- "الملك
الكامل- مصر"- "الملك الصالح أيوب- ملك مصر"- "الناصر يوسف- صاحب حلب"-
"الملك المنصور قلاوون"- "الظاهر بيبرس"- "الأمير فخر الدين المعني
الثاني"- "هولاكو- ملك المغول"، وغيرهم».
بعيداً عن التاريخ ننتقل إلى الناحية العمرانية التي تميزت بها قلعة
"شميميس" فالتقينا الأستاذ "علي كلول" رئيس لجنة الآثار في جمعية العاديات
في "سلمية"، والذي بدأ حديثه عن تصميم أبراجها، فقال: «إذا أمعنا النظر
وجدنا أن الأبراج الغربية للقلعة ذات طابقين معقودين بالقناطر مع احتمال
وجود مصطبة في الأعلى، بينما أبراج الجزء الشرقي المرتفع ذات طابق واحد
ومصطبة كشرفة أيضاً، بقية الجدار الغربي ترتفع إلى ما يقارب /12م/ بينما
بقايا الجزء الشرقي منه لا تعلو أكثر من /8.5م/ فقط، الأبراج البارزة تعتبر
صغيرة وتكاد تكون مربعة /6.5×6 م/ 8.8×7.5 م/، معظمها لها فتحة واحدة لرمي
السهام في كل جانب، أما في الطابق الأرضي للبرج فنجد طلاّقتي سهام في كل
جدار، ومثيل هذه الفتحات كانت تشاهد على الجدران الخارجية الموصلة بين
الأبراج، أما في الجانب الغربي فكانت فتحاتها على مستوى الطابق الثاني، وفي
طور زمني لاحق يبدو أن هذه الفتحات الضيقة المتطاولة قد أزيلت ليحل محلها
فتحات دائرية قد تكون للمدفعية».
ويتابع قائلاً: «من المحتمل أن العدد الإجمالي للأبراج كان أحد عشر برجاً،
يمكن تحديد عشرة منها، وكان بروزها عن الجدران الدفاعية قليلاً يتراوح بين
المتر والمتر والنصف، والمسافة بينها متقاربة تتراوح بين /6.3
- 5 م/ ما أعطاها طابع قلاع القرن الثاني عشر الميلادي، أما القسم
الجنوبي من الجدار فهو يخلو من الأبراج لأنه يساير طرف "بئر ماء" واسعة
جداً لا يترك أي فسحة قابلة للبناء بينه وبين البئر، أما الجزء الشمالي
فالمعلومات ضئيلة عنه لأنه خُرب بالكامل، فبوابة الدخول الضيقة كانت قائمة
بين برجين بقي واحد منهما، والآخر/اليميني/ يمكن تقدير مكانه من مدماك
الحجارة الأُحادي المتبقي على الأرض».
وينتقل للحديث عن البناء المركزي، فقال: «فسحتها المحاطة لوزية الشكل تضيق
باتجاه الجنوب الغربي وتميل منغلقة مع الكتل الصخرية البازلتية التي تُعمم
رأس التلة الحوارية، تبلغ المسافة بين أبعد نقطتين فيها ( 81) م. هناك خمسة
أجزاء من سورها مدمرة بالكامل تمثّل شاهداً على وضعها التحصيني المنيع
سابقاً. كما أن جانبيها الشمالي والجنوبي قد سوّيا من الداخل مع الأرض
خراباً قدرت أبعاد البناء المركزي قرابة /35×35 م/، وقد صمم بما يوافق غرض
وجوده».
ويكمل: «إذا نظرنا إلى البناء بوضعه الحالي لن نشاهده لأنه مدفون تحت
الأنقاض حتى طوابقه العلوية، أما طابقه السفلي فلا يزال يئن تحت أنقاض
الأقواس والأروقة من كل جانب، ولو أتيحت الفرصة يوماً لحفريات استكشافية
داخل القلعة لتكشّف عنها أماكن هامة عديدة قد تكون مسجداً، أو حمّاماً، أو
خزانات مياه، أو أشياء أخرى. كل هذا تقديرات لا تؤكدها إلا الحفريات
الأثرية».
ننتقل لنقول ماذا قدّم لهذه القلعة كي تبقى شامخة وحارساً أميناً يطل على
المدينة بعين المحبة والرعاية، يقول الأستاذ "أمين قداحة": «تم التنقيب في
هذه القلعة لموسمين متتاليين، بإمكانيات متواضعة جداً كُشف خلال الموسم
الأخير منهما عن جدران بعض الغرف المبنية بحجارة بازلتية في القسم الشمالي
من القلعة، ولكن لو أتيحت الفرصة يوماً ما لحفريات استكشافية أكثر فاعلية
داخل القلعة، لتكشف عنها أماكن هامة عديدة، قد تكون مسجداً أو حماماً أو
خزانات للمياه أو أشياء أخرى لأن البناء المركزي لابد
أنه أُشيد على أنقاض موقع روماني أو بيزنطي سابق، لكن ذلك يبقى مجرد تقدير لا تؤكده إلا الحفريات الأثرية العلمية الممنهجة».
وينهي حديثه فيقول: «بعد قضاء الدولة العثمانية على الأمير "فخر الدين
المعني الثاني"، دخلت "قلعة شميميس" في غياهب النسيان، لتبقى بقمتها
التاجية، كتاج الملوك المرصع بعاديات العصور الغابرة، التي لو قدر لها
يوماً أن ترى النور لربما أعطت صفحات مطولة عن تاريخها وتاريخ المدينة الأم
"سلمية"».
يبقى لمن يود زيارة "قلعة شميميس" أن يصل "سلمية" ليجدها واقعة إلى الشمال
الغربي منها على بعد خمسة كيلو مترات، تجثم على قمة جبل منفرد من سلسلة
جبال "العلا"، عن يمينها جبل "عين الزرقاء"، وعن يسارها جبلا "الأطوز"
و"الخضر".