بشارة الانجيل بمجيء رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)


على الرغّم من التحريف الذي تحمله الاناجيل المتداولة ، فانّ ما وصل منها بأيدينا لازال يحمل البشارة برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومع ذلك فانّ المترجمين للاناجيل حاولوا أن يحرّفوا ذلك أيضا كما سيتّضح فيما يلي:ـ
جاء في انجيل يوحنا:
(ان كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الاب فيعطيكم «بار قليط» ـ معزيا ـ آخر يمكث معكم إلى الابد . . .)(20).
(وأمّا المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي ، فهو يعلّمكم كل شيء ، ويذكّركم بكل ما قلته لكم)(21).
(لا أتكلم معكم كثيراً لان رئيس هذا العالم يأتي ، وليس له فيّ شيء)(22).
(ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا اليكم(23) من الاب روح الحق الذي من عند الاب ينبثق فهو يشهد لي . . .)(24) .
(لكني أقول لكم الحق ، انّه خير لكم أن أنطلق ، لانّه ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ، ولكن ان ذهبت أرسله لكم(25) ومتى
جاء ذلك يبكت العالم على خطية وعلى برّ وعلى دينونة ، أما على خطية فلانهم
لا يؤمنون بي ، وأما على برّ فلاني ذاهب إلى ربي ولا ترونني أيضا ، وأما
على دينونة فلانّ رئيس هذا العالم قد دين .

انّ لي أُموراً كثيراً أيضا لاقول لكم ، ولكن لا
تستطيعون أن تحتملوا الان ، وأما متى جاء ذلك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى
جميع الحق; لانّه لا يتكلّم من نفسه ، بل كل ما يسمع يتكلّم به ويخبركم
بأمور آتية ، ذلك يمجدني لانّه يأخذ مما لي ويخبركم . . .)(26).

وبالتأمل في هذه النصوص نجد أنها تشير إلى:
1 ـ أن المسيح (عليه السلام) يوصي ويبشّر بمجيء معزٍّ بعده .
2 ـ وأن مجيئه مشروط بذهابه .
3 ـ وأنّه مرسل من قبل الله تعالى .
4 ـ وأنّه يعلّم كل شيء .
5 ـ وأنّه يذكّر بما قاله المسيح (عليه السلام) .
6 ـ وأنّه يشهد للمسيح (عليه السلام) .
7 ـ وان العالم سيتبع دينه .
8 ـ وأنّه لا يتكلّم من نفسه بل يتكلّم بما يسمع .
9 ـ وأنّه يخبر بامور آتية .
10 ـ وأنّه يمجد المسيح (عليه السلام) .
11 ـ وأنه يبقى معهم إلى الابد .
واذا راجعت صفات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فنجد أنّ هذه تنطبق عليه تماما ، فانّه يحمل القرآن الذي هو (تبيان لكل
شيء) ، ويخبر عن أمور آتية وقعت بعد نزوله ، وانه يشهد للمسيح (عليه
السلام)بالنّبوة ، والرسالة ، ويمجّد المسيح (عليه السلام) وهو لا يتحدث من
نفسه بل بما يوحى إليه:

(وَمَايَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحى) .(النجم/3ـ4)
وقد انتشر دينه في العالم ، وقرآنه حي خالد إلى الابد .
ويزداد يقيننا أكثر اذا علمنا أنّ كلمة المعزي هي ترجمة محرفة لكلمة
(بيريكليتوس) اليونانية التي كتب بها انجيل يوحنا منذ البداية ، وهي تعني
في ترجمتها الدقيقة (أحمد) ، وقد حرّفت الكلمة في الاناجيل عند ترجمتها إلى
(باريكليتوس) والتي تعني المعزي .

وذلك ينطبق حرفيا مع ما أثبته القرآن من كلام المسيح (عليه السلام) إلى بني اسرائيل:
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم
مُّصَدِّقاً لمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول
يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . . .)
(الصف/6)
من يراجع التاريخ يجد أن تبشير المسيح (عليه السلام)
بنبي يأتي بعده كان من الامور المسلّمة لدى النصارى من زمن المسيح (عليه
السلام) ، وقبل ظهور الاسلام ، وقد نقل المؤرخون مثل «وليم مور»(27) ،
بأنّه وجد من أتقياء المسيحيين بعد المسيح(عليه السلام) ، من ادعى كونه هو
«البارقليط» الموعود ، وان ناسا كثيرين قد اتّبعوه مصدقين . . وذلك يؤكد
بأن النصارى ظلّوا قرونا قبل البعثة النبوية ينتظرون هذا المرسل . وقد دفع
هذا الاعتقادبالبعض إلى إستغلاله والادعاء بانه هو النبي الموعود منهم
(منتسي) الذي كان رجلا روحانيا وادعى في عام (187) بانه هو الرسول الذي
أخبر عنه المسيح وقد تبعه جماعة من الناس . وهذا بدوره يؤكدّ أنّ مسيحي
القرون الاولى كانوا يفهمون البار قليط انسانا رسولا سويا لا ملاكا ولا
روحا إلـهيا ، حيث حاول بعض القسسة تفسير البار قليط بأنّه روح القدس ،
وانّه حلّ بعد المسيح على تلاميذه فأنطقهم بكلّ اللغات! . . .

كما انّنا لم نجد فى التاريخ ورود معارضة من قبل نصارى
صدر الاسلام عند نزول القرآن وإخباره بأن التوراة والانجيل قد بشرتا برسول
الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)ولكن نقلت وقائع تأريخية عن نقاش
اليهود والنصارى فيما اذا كان الرسول الموعود هو هذا أم غيره ، ممّا يؤكّد
أنّ البشارة الواردة هي بشارة برسول إنسان يرسل من قبل الله تعالى . . .
وقد دخل الاسلام كثير من اليهود والنصارى بسبب تلك البشارة المثبتة في
كتبهم .

وقد أشار القرآن إلى هذه الحقائق مثبّتا اياها ، ومحتجا بها على اليهود والنصارى بقوله:
(الَّذِينَ يَتَّبِعونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الاُمَّيَّ الَّذِي يَجِدونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ
وَالانِجيلِ يَأْمُرُهُم بِاْلمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ . .
.) .(الاعراف/157)

(وَإذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَريَمَ يَابَنِي
إسَرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرَا بِرَسُول يَأْتِي مِن بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ) .(الصف/6)

ولقد تجلت هذه الحقائق لدى كل منصف وباحث عن الحق . . .
يريد الاستجابة لدعوة الهدى . . . كالنجاشي ملك الحبشة المسيحي الذي
استجاب لكلمة الحق حينما وجه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كتابا يدعوه فيه للايمان ويحثه على الدخول في الاسلام ، فاسلم ، وسجل كلمته
الخالدة التي احتضنها قلب التاريخ فحفظها شهادة انصاف . . . وكلمة منصف لا
يتأثر بموروثات البيئة ، ولا يخضع لضغط الكبرياء والعصبية . . .

قال كلمته الخالدة أشهد الله أنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب . . .)(28) .
وهكذا يتضح لكل منصف وباحث عن الحق أن محمداً (صلى الله
عليه وآله وسلم) كان بشارة الانبياء ومنتظر الرسل المرجو لاصلاح البشرية
وانقاذها . . يبشر به الانبياء ويدعون الله لبعثته .فهذا أبو الانبياء
ابراهيم (عليه السلام) بشر قبل موسى وعيسى بالبعثة ودعا ربه أن يبعث في هذه
الامة نبياً منها ، هادياً ومنقذاً فكانت هذه الدعوة اشارة إلى مجيء نبينا
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم); كان القرآن قد كشف عنها ، في آيتين
متناسقتين في الصيغة والمعنى; فقال تعالى حاكيا عن لسان ابراهيم دعاءه
رَبَّنَا
وَابْعثْ فِيهم رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيْعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِيّهِمْ إِنَّكَ أَنتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .(البقرة/129)

فكان هذا الدعاء المستجاب بشارة ، واشارة إلى بعثة نبي
الرحمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)هادياً ومرشداً من ذرية ابراهيم (عليه
السلام) .

هذا الدعاء الذي وجد جوابه في قوله تعالى:
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُّميين رَسُولاً
مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِيّهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُّبِين)
.(الجمعة/2)

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
(انا دعوة أبي ابراهيم وبشارة عيسى(عليهما السلام))(29)